سيرة السيدة سودة بنت زمعة ثاني زوجات الرسول

  مصنف: شريعة 5661 3

أمُّ المؤمنين سودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس، وأمها الشموس بنت قيس بن عمرو، بنت أخي سلمى بنت عمرو بن زيد أمِّ عبد المطلب، تزوَّجها قبل رسول الله  ابن عمٍّ لها هو: السكران بن عمرو بن عبد شمس، أخو سهل وسهيل وسليط وحاطب، ولكلهم صحبة، وهاجر بها السكران إلى أرض الحبشة الهجرة الثانية، ثم رجع بها إلى مكة فمات عنها.
فهي ثانى زوجات رسول الله عليه الصلاة والسلام،  كانت رضى الله عنها سوداء البشره ممتلئة الجسم ولكنها كانت بيضاء القلب وكانت من  المؤمنات الصادقات وعلى الرغم من سمنتها كانت خفيفه الحركه و الظل وتجيد الفكاهه.

رؤيا سودة بنت زمعة

فضل السكران بن عمرو وامرأته سودة بنت زمعة رضي الله عنهما البقاء في مكة جوار رسول الله،  ولم تمض الا ايام قليلة حتى رأت سودة  بنت زمعة رضي الله عنها في منامها،  كأن النبي أقبل يمشي حتى وطئ على عنقها فلما استيقظت قصت الرؤيا على زوجها،  فقال لها : لئن صدقت رؤياك لأموتن وليتزوجك رسول الله.  فجعلت تنفي عن نفسها ذلك وتخبر زوجها أن هذا غير ممكن ثم جعلت تدعو لزوجها بالبركة وطول العمر.  إلا انها في ليلة أخرى رأت كأن قمر انقض عليها من السماء وهي مضطجعة فأخبرت زوجها. فقال لها : لئن صدقت رؤياك لم ألبث إلا يسيرًا حتى أموت وتتزوجين من بعدي .
وصدق تأويل السكران بن عمرو لرؤيا زوجته فمرض من يومه ذلك مرضًا شديدًا ولم يلبث إلا قليلا حتى فاضت روحه إلى بارئها فمات في مكة وحزنت سودة رضي الله عنها على فراق زوجها حزنًا شديدًا.

زواج سودة بنت زمعة  من الرسول عليه الصلاة والسلام

كان رحيل السيدة خديجة رضي الله عنها مثير أحزان كبرى في بيت النبي ، وخاصَّة أن رحيلها تزامن مع رحيل عمِّه أبي طالب  حتى سُمِّي هذا العام بعام الحزن. وفي هذا الجو المعتم حيث الحزن والوَحدة، وافتقاد مَنْ يرعى شئون البيت والأولاد، أشفق عليه أصحابه رضوان الله عليهم، فبعثوا إليه خولة بنت حكيم السلمية -رضي الله عنها- امرأة عثمان بن مظعون تحثُّه على الزواج من جديد. وهنا جاءته خولة رضي الله عنها، فقالت: يا رسول الله، ألا تتزوَّج؟  فقال: “ومَنْ؟”،  قالت: إنْ شئتَ بكرًا، وإنْ شئتَ ثيِّبًا. فقال: “ومَنِ الْبِكْرُ وَمَنِ الثَّيِّبُ؟”،  قالت: أمَّا البكر فابنة أحبِّ خلق الله إليك، عائشة رضي الله عنها، وأما الثيِّب فسودة بنت زمعة، قد آمنت بك واتبعتك.قال: “فَاذْكُرِيهِمَا عَلَيَّ”. فانطلقت السيدة خولة -رضي الله عنها- إلى السيدة سودة، فقالت: ما أدخل الله عليك من الخير والبركة،  قالت: وما ذاك؟، قالت: أرسلني رسول الله أخطبك إليه. قالت: وَدِدْتُ، ادخلي إلى أبي فاذكري ذلك له. وكان شيخًا كبيرًا قد أدركه السنُّ قد تخلَّف عن الحجِّ، فدخلت عليه، فحيَّته بتحية الجاهليَّة، فقال: مَنْ هذه؟، قالت: خولة بنت حكيم. قال: فما شأنك؟ قالت: أرسلني محمد بن عبد الله أخطب عليه سودة. فقال: كفء كريم، ما تقول صاحبتك؟، قالت: تحبُّ ذلك. قال: ادعيها إليَّ. فدعتها. قال: أيْ بُنَيَّة، إنَّ هذه تزعم أنَّ محمد بن عبد الله بن عبد المطلب قد أرسل يخطبكِ، وهو كفء كريم، أتحبِّين أنْ أزوِّجَكِ به؟، قالت: نعم. قال: ادعيه لي. فجاء رسول الله فزوَّجها إيَّاه.

يروي الحافظ ابن كثير،  والإمام أحمد في المسند، محاورةً جرت في هذا الموضوع، فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ:
((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ امْرَأَةً مِنْ قَوْمِهِ, يُقَالُ لَهَا: سَوْدَةُ, وَكَانَتْ مُصْبِيَةً -أي لها صبيان- كَانَ لَهَا خَمْسَةُ صِبْيَةٍ أَوْ سِتَّةٌ مِنْ بَعْلٍ لَهَا مَاتَ، -هناك من يدَّعي، ومن يتهم النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان مغرماً بالنساء، هذه امرأةٌ متقدمةٌ في السن، مُصْبِيَة- فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا يَمْنَعُكِ مِنِّي؟ قَالَتْ: وَاللَّهِ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، مَا يَمْنَعُنِي مِنْكَ أَنْ لَا تَكُونَ أَحَبَّ الْبَرِيَّةِ إِلَيَّ، وَلَكِنِّي أُكْرِمُكَ أَنْ يَضْغُوَ هَؤُلَاءِ الصِّبْيَةَ عِنْدَ رَأْسِكَ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً، -أي أن يمنعوا راحتك، خمسة أولاد، كان قدوةً عليه الصلاة والسلام، امرأةٌ مسنَّة يتزوجها، وعندها خمسة أولاد، هي نفسها خافت أن تزعج النبي عليه الصلاة والسلام، هي نفسها خافت أن يكون أولادها عبئاً على النبي عليه الصلاة والسلام- قَالَ: فَهَلْ مَنَعَكِ مِنِّي شَيْءٌ غَيْرُ ذَلِكَ؟ قَالَتْ: لَا وَاللَّهِ، قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَرْحَمُكِ اللَّهُ، إِنَّ خَيْرَ نِسَاءٍ رَكِبْنَ أَعْجَازَ الْإِبِلِ، صَالِحُ نِسَاءِ قُرَيْشٍ أَحْنَاهُ عَلَى وَلَدٍ فِي صِغَرٍ، وَأَرْعَاهُ عَلَى بَعْلٍ بِذَاتِ يَدٍ)).

يروي الطبري عن هذا الزواج الشيء الكثير، تُزَّف العروس الوقور إلى أحبِّ الناس إليها، لتخفِّف آلام الفُرقة عن نفسه الشريفة، ولتملأ بيته أُنساً بعد وحشة، ولتحمل معه بعض أعباء الحياة، ولتقوم ببعض ما كانت تقوم به الزوجة الراحلة العزيزة خديجة، لقد كانت أم المؤمنين سودة ذات روحٍ مرحةٍ مشرقة . كانت هذه الزوجة الوفيَّة سودة، تحاول أن تدخل على قلب النبي صلى الله عليه وسلَّم السرور، فكانت تغتنم كل مناسبة لتضحكه وتسرَّه، لعلَّها بذلك تقدِّم بعض الواجبات التي أنيطت بالزوجات نحو أزواجهن وأرباب بيوتهن .
من أمثلة ذلك: ما رواه ابن سعدٍ عن الأعمش عن إبراهيم،  قال: قالت سودة لرسول الله صلى الله عليه وسلَّم: صلَّيت خلفك الليلة، فركعت بي حتى أمسكت بأنفي مخافة أن يقطُر الدم، يبدو أن النبي أطال الركوع،  فضحك النبي عليه الصلاة والسلام، وكانت تضحكه بالشيء أحياناً)).

قال بعض كُتَّاب السيرة

((ربما كانت هذه الزوجة المسعدة لزوجها تمازحه بكلماتٍ، ويعظها بكلمات .
من ذلك ما رواه ابن المبارك أن سودة بنت زمعة، قالت: يا رسول الله! إذا متنا صلى لنا عثمان بن مظعون،  حتى تأتينا أنت، فقال لها: لو تعلمين علم الموت يا بنت زمعة، لعلمت أنه أشد مما تقدرين عليه)).  وقال بعض كُتَّاب السيرة: ((كانت رضي الله عنها مع حبها للمرح والمزاح، كريمة جوادة ، لا يأتيها مالٌ إلا سارعت بإنفاقه على أهل ذي الحاجة)).
فقد روي بسندٍ صحيح عن محمدِ بن سيرين،  أن عمر بعث إلى سودة بغرارةٍ من دراهم  فقالت: ((ما هذه؟ قالوا: دراهم، قالت: في غرارةٍ مثل التمر، ففرَّقتها)).

كان رضاها برسول الله ﷺ زوجاً، يغمرها سعادةً وهناءً، فلا تراها إلا وبهجة السرور تعلو وجهها الكريم، كان يسعدها أن ترى النبي صلى الله عليه وسلَّم  يبتسم من مشيتها المُتمايلة من ثِقل جسمها، فوق ما كان يأنس عليه الصلاة والسلام إلى ملاحة نفسها وخفة ظلها، حينما تسمعه عباراتٍ من مزاحها، فكانت إذا مشت أمامه،  تمايلت يمنةً ويسرة، فكان عليه الصلاة والسلام يتبسَّم من مشيتها، وظلَّت هذه الزوجة الصالحة بهذه النفس الرضيَّة تقوم على بيت رسول الله صلى الله عليه وسلَّم طيلة وجودها في مكة .
وبعد أن هاجر النبي إلى المدينة هاجرت هي أيضاً إليها، وبقيت هي الراعية لبيت رسول الله صلى الله عليه وسلَّم في دار الهجرة، إلى أن جاءت عائشة بنت أبي بكرٍ زوجةً للرسول وأُماً للمؤمنين .

هذه المرأة المسنَّة الكبيرة، التي عندها خمسة صبية، كانت تعلم أنها لا تُرضي النبي بشكلها، لكنها ارتقت إلى مستوىً رفيع تطمح إليه، بحكمتها ولذكائها أفسحت للعروس الشابَّة -السيدة عائشة- المكان الأول في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، وحرصت أشد الحرص أن تتحرَّى مرضاة العروس الجديدة، وأن تقوم على خدمتها، وأن تسهر على راحتها .
هذه حكمة، هي نالت مبتغاها من زواجها من النبي،أصبحت أم المؤمنين، أصبحت زوجة رسولٍ كريم، هذه الشابَّة التي تزوَّجها تحتاج إلى رعاية، تحتاج إلى عناية، اعتنت بها، وخدمتها، وأرشدتها، وعلَّمتها، وبيَّنت لها كي تُرضي رسول الله، وكي تُرضي عائشة رسول الله، وكي يرضى رسول الله عن سودة بهذه الخدمة .
ثم خصَّ عليه الصلاة والسلام كل زوجةٍ ببيتٍ خاص، ولمَّا وفدت زوجاتٌ أُخريات على بيوت النبي فيهن حفصة، وزينب، وأم سلمة، وسواهن، لم تتردَّد أم المؤمنين سودة في إيثار عائشة بإخلاصها، ومودتها، وإن لم تظهر ضيقاً بتلك الزوجات .

فقد دنا منها النبي عليه الصلاة والسلام، فبكت، قالت:
((يا رسول الله! هل غمصت عليَّ في الإسلام؟ -أي هل أخطأت في الإسلام؟- قال: اللهمَّ لا، قالت: يا رسول الله! يومي لعائشة في رضاك، -أي أنا أريد أن أبقى زوجةً لك، أريد أن أحظى هذا الشرف العظيم،  ولا مأرب لي في الرجال، أريد أن أبقى معك لأنظر إلى وجهك- فو الله ما بي ما تريد النساء، ولكني أحب أن يبعثني الله في نسائك يوم القيامة)).

والنبي بالعدل، كلكم يعلم أن التعدد من شروطه العدل التام بين الزوجات، العدل في الإنفاق، والعدل في السُكنى، والعدل في المبيت، أما حينما هي تسامح عن طيب خاطر قالت : يومي لعائشة، وهكذا حافظت أم المؤمنين سودة بنت زمعة على ودِّها لرسول الله صلى الله عليه وسلَّم ، وعلى قُربها منه، وعلى صحبته في الدنيا والآخرة.

هناك  صفة لطيفة بهذه الزوجة، أنها كانت إذا أخطأت عادت سريعاً إلى صوابها، تقول السيدة عائشة((إذا أصابتها الحِدَّة، فاءت سريعاً،  فتصلح نفسها مما نابها)). وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:((مَا رَأَيْتُ امْرَأَةً أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَكُونَ فِي مِسْلَاخِهَا مِنْ سَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ،  مِنْ امْرَأَةٍ فِيهَا حِدَّةٌ، قَالَتْ: فَلَمَّا كَبِرَتْ، جَعَلَتْ يَوْمَهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَدْ جَعَلْتُ يَوْمِي مِنْكَ لِعَائِشَةَ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِمُ لِعَائِشَةَ يَوْمَيْنِ يَوْمَهَا وَيَوْمَ سَوْدَةَ)).

بعض ما روته عن النبي

روى البخاري بسنده عن سودة  بنت زمعة  زوج النبي ، قالت: “ماتتْ لنا شاة فدبغنا مسكها ثم ما زلنا ننبذ فيه حتى صار شَنًّا”.

وعنها رضي الله عنها قالت: جاء رجل إلى النبي فقال: إن أبي شيخ كبير لا يستطيع أن يحج. قال: “أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكَ دَيْنٌ فَقَضَيْتَهُ عَنْهُ، قُبِلَ مِنْهُ؟” قال: نعم. قال: ” فَاللَّهُ أَرْحَمُ، حُجَّ عَنْ أَبِيكَ”.

وعنها رضي الله عنها قالت: قال رسول الله : “يُبْعَثُ النَّاسُ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً، قَدْ أَلْجَمَهُمُ الْعَرَقُ وَبَلَغَ شُحُومَ الآذَانِ”. فقلت: يبصر بعضنا بعضًا؟ فقال: “شُغِلَ النَّاسُ {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس: 37]”.

وعنها رضي الله عنها: أنها نظرت في رَكْوة فيها ماء، فنهاها رسول الله عن ذلك وقال: “إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِنْهُ الشَّيْطَانَ”.

و عاشتسودة  بنت زمعة رضي الله عنها في بيت الرسول حتى توفي صلى الله عليه و سلم ثم توفيت رضي الله عنها في اخر خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه فجزاها الله خيرا و رحمها و جمعها بحبيبها رسول الله و اكرمنا بلقياها في الجنة ان شاء الله.