سنن و آداب الأكل والشرب في الإسلام

  مصنف: شريعة 6685 0

الكثير منا يعتقد أننا أستوردنا آداب المائدة من الثقافة الغربية ولكن في الواقع ما ترك الإسلام من شيء من السلوكيات إلا وتطرق لها حتى سن آداب الأكل والشرب والكثير من الأمور الأخرى كاستقبال المولود الجديد و قضاء الحاجة.  وفي الثقافات الأخرى تدخل معظم الآداب في سياق احترام الأخر والتصرف بلباقة في المجتمع ولكن في الاسلام تتعدى سنن الطعام ذلك لكون بعضُها يعود بفائدة صحية أو منع لأذى ما على صحة الإنسان نفسه.  وبمجرد تطبيق هذه الآداب والسنن التي علمنا إياها الرسول ﷺ بنية طاعته نكسب الأجر في الدنيا والأخرة إن شاء الله.  وقد نصادف بعض السنن التي قد تتعارض مع الإتيكيت الغربي مثل استخدام اليد اليمنى والأصابع في الأكل بدلاً من الشوكة والسكين.  وهنا قد نواجه صعوبة في تطبيق هذه السنن بدون لفت أنظار المجتمع واستغرابهم من التصرف الذي يتناقض مع ما تعود عليه. هناك العديد من آداب الطعام والشراب في الإسلام التي ورد ذكرها في السنة أو السيرة النبوية المباركة ومن أهم آداب الأكل والشراب في الإسلام ما يلي.

آداب الأكل والشرب في السُنة

  1. غسل اليدين قبل الأكل وبعده
    من آداب الطعام والشراب في الإسلام غسل اليدين قبل البدء بتناول الطعام وبعده، ويهدف هذا الأدب إلى منع حدوث الضرر على الإنسان مما علق في يديه من أوساخ، والتي يمكن أن تتسبب له ببعض الأمراض. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: مَنْ بَاتَ وَفِي يَدِهِ رِيحُ غَمَرٍ، فَأَصَابَهُ شَيْءٌ، فَلاَ يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ.
  2. النية في الطعام والدعاء بالبركة
    المسلم يحول جميع أعماله إلى طاعة وعبادة باستحضار النية الصالحة، فهو يأكل امتثالا لأمر الله -سبحانه- ومن أجل تقوية جسمه والمحافظة على حياته؛ حتى يؤدي دوره في الحياة ويقوم بعبادة الله.  ومن باب الدعاء بالبركة، ورد حديث عن رسول الله ﷺ: “إذَا أكَلَ أحَدُكُمْ طَعَاماً فَلْيَقُلْ: اللّهُمّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ وَأطْعِمْنَا خَيْراً مِنْهُ، وَإذَا سُقِيَ لَبَنَاً فَلْيَقُلْ اللّهُمّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ وَزِدْنَا مِنْهُ، فَإِنّهُ لَيْسَ شَيْءٌ يُجْزِىءُ مِنَ الطّعَامِ وَالشّرَابِ إلاّ اللّبَن“. رواه أبو داود
  3. التسمية قبل الأكل
    وهي من آداب الطعام والشراب في الإسلام والتي يُؤتى بها قبل الأكل، والمقصود بالتسمية أن يقول الإنسان قبل البدء بالأكل” بسم الله”، ومن فاتته التسمية قبل الأكل فلا ضير من أن يسمي الله بعد الأكل، وقد ورد هذا الأدب في حديث النبي الكريم  فعن عائشة – رضي الله عنها – قالت:  ” كان رسول الله ﷺ يأكل طعاما في ستة نفر من أصحابه “، فجاء أعرابي فأكله بلقمتين فقال رسول الله ﷺ: ” أما إنه لو سمى لكفاكم، فإذا أكل أحدكم طعاما فليقل: بسم الله، فإن نسي أن يذكر اسم الله في أوله، فليقل: بسم الله أوله وآخره
  4. الاجتماع على الأكل
    سنّ الرّسول ﷺ على المسلمين أن يأكلوا مجتمعين مع الأهل والأقارب، ويمتنعوا عن الطّعام والشّراب منفردين؛ لتحصل البركة والمودّة بين الجميع، حيث ذُكرت قصّةٌ عن الرّسول عليه الصّلاة والسّلام أنّه قد جاءه مرة شخص يشتكي من عدم الشّبع مهما أكل، فسأله عليه الصّلاة والسّلام إن كان يأكل وحده فأجابه بالإيجاب، مما يدلّ هذا على انعدام البركة والفائدة في الطّعام.
    يقول النبي ﷺ:  طعام الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الأربعة، وطعام الأربعة يكفي الثمانية – مسلم
    وقد جاء جماعة من أصحاب النبي ﷺ يشكون إليه أنهم يأكلون ولا يشبعون، فقال لهم النبي ﷺ:  فاجتمعوا على طعامكم، واذكروا اسم الله يبارك لكم فيه -أبو داود
  5. الجلوس للطعام
    السنة أن يشرب الإنسان الماء جالسا ويكره قائما؛ لما رواه مسلم عن أنس رضي الله عنه: أن النبي ﷺ زجر عن الشرب قائما، وفي رواية: نهى عن الشرب قائما. قال قتادة : فالأكل ؟ قال: أشر أو أخبث.
    يجب على المرء الجلوس بأدب وتواضع ومن دون اتّكاء كما كان يجلس رسول الله ﷺ. ويستحب للمسلم إذا كان يأكل على الأرض أن يجلس على إحدى قدميه ويرفع الأخرى، ولا مانع من أن يتناول طعامه على مائدة، ويكره أن يجلس المسلم متكئًا، فقد قال النبي ﷺ:  لا آكل متكئًا   -البخاري
    وكان النبي ﷺ عندما يجلس لتناول الطعام يكون جاثياً على ركبتيه، وله هيئة أخرى في الجلوس للطعام بالجلوس على الرجل اليسرى، ونصب اليمنى، كما روى ذلك الصحابي أنس بن مالك رضي الله عنه.
    وهناك صفة أخرى للأكل نهى عنها رسول الله ﷺ ، وهي الانبطاح، فعن ابن عمر أنه قال: نهى رسول الله ﷺ عن الجلوس على مائدة يشرب عليها الخمر، وأن يأكل الرجل وهو منبطح على بطنه. رواه أبو داود وابن ماجه والحاكم.
  6. الأكل باليمين
    وهو أن يأكل الإنسان بيده اليمنى وأن يتجنب الأكل بيده اليسرى، حتى وإن كانت هي اليد التي اعتاد على أن يأكل ويشرب بها، وقد ورد ذلك في العديد من الأحاديث النبوية الشريفة التي تحث على الأكل باليد اليمنى، فعن ابن عمر بن الخطاب – رضي الله عنهما- أن النبي ﷺ قال: “لا يَأْكُلَن أَحَدٌ مِنْكُمْ بِشِمَالِهِ، وَلَا يَشْرَبَنَّ بِهَا، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ وَيَشْرَبُ بِهَا “، رواه مسلم.   وحديث: “يا غلام سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك“. رواه البخاري
  7. الأكل مما يليه
    ويعني ذلك أن يأكل الإنسان من الأكل الذي يقع أمامه مباشرة، وألّا يمد يديه إلى ما يلي الناس. وقد ورد ذلك في الحديث السابق ولحديث “البركة تنزل وسط الطعام، فكلوا من حافتيه ولا تأكلوا من وسطه“. رواه الترمذي
  8. الأكل بثلاثة أصابعٍ
    وذلك لفعل النبي ﷺ، لحديث كعب بن مالك السلمي في مسلم قال: “كان رسول الله ﷺ يأكل بثلاث أصابع، ويلعق يده قبل أن يمسحها”
  9. لعق الأصابع ومسح إناء الطعام
    فإذا فرغ الإنسان من الطعام، وبقي شيءٌ يسيرُ منه في الإناء أو الصحن ولا يضرّه إن تناوله، فمن السّنة أن يأكله، فلا يعلم البركة أين تكون، وذلك أيضاً من سنّة النبي ﷺ. ورد في صحيح مسلم عن أنس أن رسول الله ﷺ كان إذا أكل طعاما لعق أصابعه الثلاث قال وقال إذا سقطت لقمة أحدكم فليمط عنها الأذى وليأكلها ولا يدعها للشيطان وأمرنا أن نسلت القصعة قال فإنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة 
  10. أكل ما تناثر أو ما سقط من الطعام
    فإذا وقع من الطعام شيئاً، فليأخذه ويمسحه ثمّ يأكله، ولا يدع منه شيئاً للشيطان.  فقد أمر النبي ﷺ بالمحافظة على الطعام وشكر نعمته، فقد روى مسلم في صحيحه وغيره أن رسول ﷺ قال: إذا سقطت لقمة أحدكم فليمط عنها الأذى وليأكلها، ولا يدعها للشيطان
  11.  عدم عيب الطعام
    ألا يعيب الطعام كأن يقول: هذا مالح أو حامض أو غليظ أو رقيق، لحديث مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ما عاب رسول الله ﷺ طعاماً قط، كان إذا اشتهى شيئاً أكله، وإن كرهه تركه
  12. إكرام الطعام
    وإكرام الطعام بعدم إهانته بالبصاق أو المخاط إلا لضرورة، لحديث: “أكرموا الخبز” أخرجه الحاكم وغيره
  13. عدم أكل الطعام الساخن جداً
    وينتظر حتى يبرد الطعام قليلاً لما ورد عنه ﷺ: ولا يـؤكل طعـامٌ حتى يذهــب بخـارُه
  14. عدم النّفخ في الطّعام
    ورد هذا الأمر إلينا من رسولنا الكريم عليه الصّلاة والسّلام، كما أثبتت الدّراسات العلميّة خطورة النّفخ في الطّعام؛ إذ إنّه ينقل الجراثيم الموجودة في النّفس والرّئتين إلى الطّعام  .ومثل ذلك التنفّس في الطعام والشراب؛ لما رُوي أنّ رسول الله ﷺ نهى أن يُتنفس في الإناء.
  15. الشّرب على ثلاث دفعات
    كان الرّسول عليه أفضل الصّلاة والسّلام يشرب الماء على ثلاث دفعات أي لا يشربه كلّه مرة واحدة، وفي كلّ مرّةٍ يُبعد الإناء عن فمه.
  16. عدم استعمال أواني الذهب والفضة
    لا يجوز للمسلم أن يستعمل الأواني المصنوعة من الذهب والفضة في طعامه أو شرابه. قال النبي ﷺ:  إن الذي يأكل أو يشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجَرْجِرُ في بطنه نار جهنم – مسلم . والمسلم يأكل بيده، أو ما تيسر له من أدوات المائدة.
  17.  النهي عن الشرب قائماً
    لقول النبي ﷺ، فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه، أنّ النبي عليه السّلام، قال:  لا يشربَنّ أحدٌ منكم قائماً، فمن نسي فليسْتقِئ  – مسلم
  18. الاقتصاد في الطعام
    وتجنّب الإسراف فيه؛ فيجعل المسلم ثلثاً لطعامه، وثلثاً لشرابه، وثلثاً لنفسه، وقد ذكر الإمام الغزاليّ في كتابه الإحياء الأضرار الناجمة عن الإسراف في الطعام، فمنها الضرر الشرعي؛ وهو الدخول فيما نهى عنه الرسول ﷺ من الإكثار في الطعام والشراب، ومنها الضرر البدني، وهو أنّ كثرة الطعام تؤدّي بالجسم إلى الفساد والأمراض والكسل عن الصلاة، ومنها الذي يلحق بالقلب والعقل، أو يؤثّر فيهما سلباً، فيمنعهما عن القيام بمهامهما على أكمل وجهٍ.
    المسلم يقتصد في طعامه وشرابه، فهو يشتري كمية الطعام التي تكفيه، حتى لا يضطر إلى إلقاء كميات كبيرة من طعامه في سلة القمامة، فهو يعلم أن هناك من المسلمين في أنحاء العالم من لا يجد لقمة خبز ولا شربة ماء.
  19.  حمد الله عقب الأكل
    إذا انتهى المسلم من طعامه فإنه يحمد الله -سبحانه- ويشكره، يقول النبي ﷺ:  من أكل طعامًا فقال: الحمد لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة. غفر له ما تقدم من ذنبه  أبو داود والترمذي والنسائي وأحمد .
    وكان النبي ﷺ إذا رفع مائدته قال:  الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه غير مَكْفِي ولا مُستغني عنه ربنا  – البخاري. ويقول ﷺ:  إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها ويشرب الشربة فيحمده عليها  – مسلم والنسائي والترمذي
  20. المبادرة إلى الأكل إذا قدم إليه الطعام من مُضيفه
    فإن من كرامة الضيف تعجيل تقديم الطعام ومن كرامة صاحب المنزل المُبادرة إلى قبول طعامه والأكل منه.  فكانوا إذا لم يأكل الضيف ظنوا به شراً فعلى الضيف أن يُهدئ خاطر مضيفه بالمبادرة إلى الطعام.
  21. عدم المكوث طويلاً بعد الاكل عند المضيف
    ويستحبُّ للضيف ألا يطيل الجلوس عند المضيف من غير حاجة بعد الفراغ من الأكل بل يستأذن ربَّ المنزل وينصرف، لقولـه تعالى: ((فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا )) [الأحزاب/53]
  22. كراهة الحركات المنفرة والاكثار من الطعام
    ويكره الإتيان بحركات منفرة للمشاركين كالجشاء والبصاق والمخاط ونحوه. ويستحب عدم الإكثار من الطعام.
  23.  السُّؤَالُ عن الطعام
    إذَا كَانَ ضَيْفًا عَلَى أَحَدٍ وَلا يَعْرِفُهُ –  أي لا يعرف نوع الطعام – فعليه السؤال عنه ولا يطمئن إلى ما قد يقدم اليه.  فقد كان الرسول ﷺ لا يأكل طعاماً حتى يُحَدث أو يُسمى له فيعرف ما هو الطعام.  عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَلَى مَيْمُونَةَ ، وَهِيَ خَالَتُهُ وَخَالَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَوَجَدَ عِنْدَهَا ضَبًّا مَحْنُوذًا قَدِمَتْ بِهِ أُخْتُهَا حَفِيدَةُ بنت الْحَارِثِ مِنْ نَجْدٍ فَقَدَّمَتْ الضَّبَّ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَكَانَ قَلَّمَا يُقَدِّمُ يَدَهُ لِطَعَامٍ حَتَّى يُحَدَّثَ بِهِ وَيُسَمَّى لَهُ ، وَأَهْوَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَدَهُ إلَى الضَّبِّ فَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ النِّسْوَةِ الْحُضُورِ : أَخْبِرْنَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ : أَنَّ مَا قَدَّمْتُنَّ لَهُ هُوَ الضَّبُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ يَدَهُ عَنْ الضَّبِّ ، قَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ : أَحَرَامٌ الضَّبُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ: لا. وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ قَالَ خَالِدٌ: فَاجْتَرَرْتُهُ فَأَكَلْتُهُ وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَنْظُرُ إلَيَّ، رواه البخاري ومسلم

فينبغي للمسلم أن يحافظ على هذه الآداب، وأن ينشئ أولاده عليها من صغرهم، حتى يتعودوا عليها.  والكثير منا يتعلم كيف يأكل باستخدام الشوكة والسكين ليتشبه بغير المسلمين، مع أنه من الأجدر أن يتعلم سنة نبينا الكريم ﷺ  وما علمنا من آداب الأكل والشرب.  ففيهما فوائد كثيرة قد نعلمها و قد لا نعلمها.

يوسف يعقوب

كاتب ومترجم وخبير برمجة لاكثر من 20 سنة. مهتم بالغذاء والصحة وعلاج الامراض بالاعشاب والطرق الطبيعية.

أقرأ مقالاتي الأخرى