آداب قضاء الحاجة في الشريعة الإسلامية

  مصنف: شريعة 7955 2

من المدهش ان الاسلام تطرق لموضوع آداب قضاء الحاجة فما ترك خيراً  إلا أمر به ودل عليه، ولا شراً  إلا حذر منه ونها عنه.

فكانت الشريعة الاسلامية كاملة حسنة من جميع الوجوه، وقد أثار ذلك دهشة غير المسلمين وإعجابهم بهذا الدين. حتى قال أحدهم لـسلمان الفارسي رضي الله عنه: ( قَدْ عَلَّمَكُمْ نَبِيُّكُمْ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى الْخِرَاءَةَ ! فَقَالَ : أَجَلْ ، لَقَدْ نَهَانَا أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ لِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِالْيَمِينِ ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِرَجِيعٍ أَوْ بِعَظْمٍ  ) الحديث. رواه الترمذي وقال: حسن صحيح، وهو في صحيح مسلم وغيره.

معنى قضاء الحاجة : التخلي أو التبرز أو التغوط ، فالحاجة هنا كناية عن البول والغائط ، وهذا من الأدلة على الأدب في الشريعة الإسلامية في القرآن والسنة، فقد قال الله سبحانه وتعالى: أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ [النساء:43]  فلم يسم الخارج باسمه البشع، وإنما كنى عنه بهذه العبارة فقال: أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ [النساء:43] والغائط: هو المطمئن من الأرض ، المكان النازل من الأرض ، فقد كانوا إذا أرادوا قضاء الحاجة أتوه رغبة في التستر، فكني به عما يخرج من السبيلين.

آداب قضاء الحاجة

علَّمنا رسول الله  آدابًا لقضاء الحاجة هي غاية في تربية الإنسان والرقي به، ومن هذه الآداب ما يلي:

  1. عدم إستقبال القبلة
    فإن من احترام المسلمين لقبلتهم، وتعظيمهم شعائر الله ألا يستقبلوا القبلة ولا يستدبروها ببول أو غائط ، قال عليه الصلاة والسلام: (إذا جلس أحدكم لحاجته فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها). أما بالنسبة للخلاء، أو الصحراء، والفضاء، والمكان المفتوح، فإنه لا يجوز استقبال القبلة ولا استدبارها ببول ولا غائط.  أما في ما يخص البنيان  فذهب بعض العلماء إلى ذلك، وقالوا: بأن النهي خاص بالأماكن المكشوفة والمفتوحة كالفضاء والصحراء، وأما في البنيان فلا. وقال بعضهم: النهي عام، وفرق بعضهم بين البول والغائط. ولذلك الأحسن للإنسان  الذي يريد أن يصمم بيتاً أن ينتبه حتى يكون المكان المعد للجلوس لقضاء الحاجة في بيته ليس إلى جهة القبلة، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول في المدينة : (شرقوا أو غربوا)  وكل واحد يقول بحسب موقعه من مكة. وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم من مراعاتهم لهذا لما دخلوا بلاد فارس والشام والفتوحات وجدوا المراحيض إلى جهة مكة فقال بعضهم: [ فكنا ننحرف ونستغفر الله ].
  2. ألا يمسك ذكره بيمينه حال البول
    من آداب قضاء الحاجة  ألا يمس ذكره بيمينه وهو يبول، لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا بال أحدكم فلا يأخذن ذكره بيمينه) رواه البخاري ، وحيث أن اليد اليمنى تجعل للأمور الحسنة والطيبة فليس من المناسب إذاً أن يكون هذا المس باليمنى، ولو احتاج إليه فإنه يكون عند الحاجة باليسرى.
  3. ألا يستنجي بيمينه
    من آداب قضاء الحاجة ألا يزيل النجاسة بيمينه، ليس فقط ألا يمس الموضع أو العورة باليمنى، ولكن لا يزيل النجاسة باليمنى، بل يستخدم شماله لمباشرة النجاسة في إزالتها لقوله صلى الله عليه وسلم: (ولا يستنجي بيمينه) رواه البخاري . ولقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا تمسح أحدكم فلا يتمسح بيمينه) رواه البخاري ، ولما روت حفصة رضي الله عنها زوج النبي ﷺ (أن النبي ﷺ كان يجعل يمينه لأكله وشربه ووضوئه واستياكه وأخذه وعطائه، ويجعل شماله لما سوى ذلك) رواه الإمام أحمد رحمه الله، وهو حديث صحيح، وروى ابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا استطاب أحدكم فلا يستطب بيمينه، ليستنجي بشماله).
  4. الجلوس عند قضاء الحاجة
    السنة أن يقضي حاجته جالساً وألا يقضيها واقفاً،  وأما بالنسبة للوقوف عند البول فإن هناك بعض الأحاديث والآثار التي وردت فيه، أما بالنسبة لنهي صريح مرفوع عن البول قائماً فلا دليل له، وقد جاء عن ابن مسعود : [من الجفاء أن تبول وأنت قائم] وكان سعد بن إبراهيم من السلف لا يجيز شهادة من بال قائماً، وحديث عائشة : (من حدثكم أن رسول الله ﷺ كان يبول قائماً فلا تصدقوه، ما كان يبول إلا قاعداً). قال الترمذي : هذا أصح شيء في الباب. وقد رويت الرخصة في البول قائماً عن عمر وعلي و ابن عمر و زيد وسهل بن سعد وأنس وأبي هريرة وعروة ، وروى حذيفة : (أن النبي ﷺ أتى سباطة قوم فبال قائماً) رواه البخاري . أتى سباطة قوم، أي: موضع رمي القمامة. ولعل النبي ﷺ فعل ذلك لتبيين الجواز، ولم يفعله إلا مرة واحدة، ويحتمل أن يكون في موضع لم يتمكن من الجلوس فيه. الخلاصة: لا بأس عند الحاجة أن يبول الشخص قائماً بشرط: أن يأمن عود رشاش البول عليه، وأن يأمن تلويث ملابسه، فإذا أمن تلويث الملابس والجسم فلا بأس أن يبول قائماً، لكن الأفضل البول قاعداً.
  5. ألا يرفع ثوبه إلا بعد الدنو من الأرض
    من آداب قضاء الحاجة  أن لا يرفع ثوبه إلا بعد أن يدنو من الأرض، وقد ورد عن أنس رضي الله عنه قال: (كان النبي ﷺ إذا أراد الحاجة لم يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض). رواه الترمذي وهو حديث صحيح. وإذا كان في مرحاض ونحوه فلا يرفع ثوبه إلا بعد إغلاق الباب وتواريه عن أعين الناظرين.
  6. الاستتار عن أعين الناس
    من آداب قضاء الحاجة أن يستتر عن أعين الناس عند قضاء الحاجة بالبعد إذا لم يكن ثمة مراحيض تغلق أبوابها. (وقد كان أحب ما استتر به رسول الله ﷺ لحاجته هدفاً أو حائش نخلٍ). والهدف: هو المرتفع من الأرض، وحائش النخل: هو البستان، وإذا كان الإنسان في الفضاء كأن يخرج الإنسان -مثلاً- إلى الساحل أو الشاطئ فيريد أن يقضي حاجته، وليس هناك لا حائش نخل، ولا مرتفع والأرض مستوية، فماذا يفعل؟إذا كان عنده شيء يتوارى خلفه كسيارة ونحوها فعل ذلك، وإلا فينبغي له أن يبعد عن أعين الناظرين؛ وذلك بأن يمشي إلى مكان بعيد عن الناس، لما روى المغيرة بن شعبة قال: (كنت مع النبي ﷺ في سفرٍ فأتى النبي ﷺ حاجته فأبعد في المذهب). أي: ذهب بعيداً، رواه الترمذي ، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
  7. الاهتمام بإزالة النجاسة
    من آداب قضاء الحاجة أيضاً: الاعتناء بإزالة النجاسة بعد الفراغ من قضاء الحاجة، لقوله ﷺ محذراً من التساهل في التطهر من البول: (أكثر عذاب القبر من البول). رواه ابن ماجة ، وهو حديث صحيح. وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: (مر رسول الله ﷺ على قبرين، فقال: إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير: أما أحدهما فكان لا يستتر من بوله، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة).
  8. أن يوتر بثلاث مسحات أو أكثر
    أن يكون مسح النجاسة ثلاثاً فما فوق، وأن يكون وتراً، بحسب ما تدعو إليه حاجة التطهير، فإذا لم تكف ثلاث فخمس مسحات أو سبع أو تسع، لما جاء عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي ﷺ كان يغسل مقعدته ثلاثاً، قال ابن عمر : فعلناه فوجدناه دواءً وطهوراً). حديث صحيح، رواه ابن ماجة رحمه الله. ولما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: (إذا استجمر أحدكم فليستجمر وتراً). رواه الإمام أحمد ، وحسنه الألباني في: صحيح الجامع إذن يقطع على وترٍ.
  9. ألا يستجمر بروث أو عظم 
    من آداب قضاء الحاجة ألا يستعمل العظم ولا الروث في الاستجمار، والاستجمار: هو إزالة النجاسة بالمسح، والاستنجاء: هو إزالة النجاسة بالغسل. ولا يستعمل العظم ولا الروث للاستجمار وإنما يستعمل الحجارة والمناديل ونحو ذلك، لما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أنه كان يحمل مع النبي ﷺ إداوة لوضوئه وحاجته، فبينما هو يتبعه بها فقال: من هذا؟ قال: أنا أبو هريرة ، قال: أبغني أحجاراً أستجمر بها، ولا تأتني بعظم ولا بروثة، فأتيته بأحجار أحملها في طرف ثوبي حتى إذا وضعتها بجنبه ثم انصرفت، حتى إذا فرغ مشيت فقلت: ما بال العظم والروثة؟! قال: هما من طعام الجن). رواه البخاري رحمه الله تعالى.
  10. ألا يتخلى في طريق الناس أو ظلهم
    من آداب قضاء الحاجة ألا يبول في طريق الناس، ولا في ظل يستظل به، لأن في ذلك إيذاء للمسلمين، وقد روى أبو هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله ﷺ قال: (اتقوا اللاعنين، قالوا: وما اللاعنان يا رسول الله؟ قال: الذي يتخلى في طريق الناس، أو في ظلهم). رواه أبو داود. وأما اللعانان في رواية مسلم: فهما صاحبا اللعن، أي: الذين يلعنهما الناس كثيراً. وفي رواية أبي داود : ( اللاعنين ). معناه: الأمران الجالبان للعن، لأن من فعلهما لعنه الناس في العادة، فإذا جاء واحد يجلس في الظل فرأى نجاسة فإنه يلعن من فعلها، أو مسافر نزل على الطريق فرأى شجرة مثمرة تحتها نجاسة.
  11. ألا يسلم على من يقضي حاجته ولا يرد السلام
    من آداب قضاء الحاجة ألا يسلم على من يقضي حاجته، ولا يرد السلام وهو في مكان قضاء الحاجة، أما بالنسبة لعدم التسليم فقد جاء عن جابر بن عبد الله أن رجلاً مر على النبي ﷺ وهو يبول فسلم عليه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتني على مثل هذه الحالة فلا تسلم عليَّ، فإنك إن فعلت ذلك لم أرد عليك ) رواه ابن ماجة ، وهو حديث صحيح.
  12. ألا يبول في الماء الدائم ولا يتغوط في الماء الجاري
    من آداب قضاء الحاجة أنه لا يجوز البول في الماء الدائم (لأن النبي ﷺ نهى عن البول في الماء الراكد). متفق عليه، ولأن الماء إذا كان قليلاً تنجس به، وإن كان الماء كثيراً فربما تغير بتكرار البول فيه هذا، بالنسبة للماء الراكد. وأما الماء الجاري فلا يجوز التغوط فيه، لأنه يؤذي من يمر به، فإن قال قائل: فالبول فيه؟ إن بال فيه وهو كثير بحيث لا يؤثر فيه البول فلا بأس، لأن تخصيص النبي ﷺ الراكد بالنهي عن البول فيه دليلٌ على أن الجاري بخلافه، وبناءً على ذلك فلو بال في البحر فلا حرج عليه، فهذا لا ينجسه شيء ولا يؤذي أحداً، لكن لا يتغوط على الساحل، أو في المكان الذي يدخل فيه الناس للبحر يمشون، بل إنه يبعد ويحذر لنفسه ويقضي حاجته.
  13. أن يرتاد لبوله موضعاً رخواً
    من آداب قضاء الحاجة  أنه يستحب أن يرتاد لبوله موضعاً رخواً لئلا يصيبه رشاش البول، وقد ورد في ذلك حديث رواه الإمام أحمد أن النبي ﷺ أراد أن يتبول فأتى دمثاً في أصل حائط فبال، ثم قال: (إذا أراد أحدكم أن يتبول فليرتد لبوله). يتخير مكاناً مناسباً، وهذا إن كان ضعيفاً فإن المعنى صحيح،  وهو أن الإنسان إذا أراد أن يبول فلا يبل على شيء صلب، لئلا يرتد عليه، بل يأتي إلى مكانٍ رخوٍ لئلا يرتد عليه، وبعض الأحيان تجد سطح الأرض خشن صلب لكن إذا ضربته برجلك ظهر التراب الذي تحته فتحول إلى موضع رخوٍ فيمكن أن نعالجه وهكذا.
  14. ألا يبول في مستحمه
    قد ورد في ذلك حديث عند أبي داود وابن ماجة (أن النبي ﷺ نهى أن يبول الرجل في مستحمه). وفي رواية: (لا يبولن أحدكم في مستحمه).  فقد قال الخطابي رحمه الله: المستحم هو المغتسل، وهو مشقق من الحميم وهو الماء الحار الذي يغتسل به. قال النووي رحمه الله: واتفق أصحابنا أن المستحب ألا يستنجي بالماء في موضع قضاء الحاجة لئلا يترشش عليه وهذا في غير الأخلية المعدة، أو المتخذة لذلك، أما المتخذ لذلك كالمرحاض فلا بأس فيه، لأنه لا يترشش عليه، ولأن في الخروج منه إلى غيره مشقة. وقال بعض العلماء: ألا يستنجي بالماء في موضعه. إذاً: هم قالوا: إذا تبول في مكان، أو تغوط في مكان يزحف قليلاً حتى إذا صب الماء أثناء الاستنجاء لا يصيبه من النجاسة التي صارت في الأرض مثلاً، وإذا أراد أن يغسل عورته، أو يغسل مكان قضاء الحاجة لا تصيب النجاسة المجتمعة في الأرض يده مثلاً، فالمقصود من كل القضية: ألا يرتد عليه شيء من النجاسة، واتقاء الوسواس، لأنه قد ورد عند أبي داود : (ولا يبول في مستحمه فإن عامة الوسواس منه). فإذا كان لا يرتد فلا بأس بذلك، وينبغي أن تجعل أماكن قضاء الحاجة في المراحيض بحيث تحقق هذا الغرض، وهو عدم ارتداد النجاسة على الذي يقضي الحاجة.
  15. أن يذكر الله قبل أن يدخل الخلاء
    من آداب قضاء الحاجة ذكر الله عز وجل قبل أن يدخل الخلاء، قال صلى الله عليه وسلم: (ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم إذا دخل أحدهم الخلاء أن يقول: باسم الله)، (وكان ﷺ إذا دخل الكنيف قال: باسم الله، اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث، وكان إذا خرج من الغائط قال: غفرانك). فأما بالنسبة للبسملة فقد عرفنا فائدتها، فيأتي بها الإنسان في أي موضع، أو في أي عمل، والسنة أن يأتي بها قبل الشروع في أي عمل، وهنا فائدتها أنها تمنع الجن من النظر إلى عورات الآدميين، لأنه لا بد أن يكشف العورة عند قضاء الحاجة. والمراحيض ومواضع النجاسات من الأماكن التي يغشاها الجن، فإذا كانوا يغشون هذه الأماكن والإنسان سوف يدخلها فإنه يحتاج إلى التسمية لكي يستتر منهم: إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ [الأعراف:27] وقوله: (أعوذ بك من الخبث والخبائث) لو قلت: الخبْث فإنه مصدر معروف، أما الخُبُث والخبائث فالمقصود: ذكران الشياطين وإناثهم، جمع خبيث وخبيثة: خُبُث وخبائث. وعند الخروج يقول: (غفرانك)، قال بعض العلماء: الوجه في سؤال المغفرة أنه جرى منه عليه الصلاة والسلام على عادته إذ كان من دأبه الاستغفار في حركاته وسكناته وتقلباته حتى إنه ليعد له في المجلس الواحد مائة مرة، وإنه لما كان خروج الأخبثين -هذه ملاحظة ذكرها بعضهم- بسبب خطيئة آدم، يعني: عندما كان آدم عليه السلام في الجنة لم تكن هناك نجاسة تخرج فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا [الأعراف:22] وصارت هذه المعصية سبب الهبوط إلى الأرض وصار غائط وبول.
  16. اتقاء اتجاه الريح
    ذكر بعضهم من آداب قضاء الحاجة اتقاء مهابَّ الريح، الأماكن التي لها منفذ يدخل الهواء من موضع ويخرج من موضع مخافة أن يرتد بوله عليه، وهذا يعود إلى المسألة المذكورة في قضية عدم الارتداد والرشاش، فإذا كان يريد أن يقضي حاجته في الفضاء -كالصحراء- وأراد أن يبول، إذا كان الهواء قوياً وهو يبول في اتجاه هبوب الهواء سيرجع عليه وعلى ثيابه، فإذا جعل نفسه في الاتجاه المعاكس عند ذلك تذهب النجاسة أو هذا البول مع الريح ولا يرتد عليه.
  17. أن يلبس حذاءه حتى لا تتنجس رجلاه وألا يطيل في الخلاء
    من آداب قضاء الحاجة أن يلبس حذاءه لئلا تتنجس رجلاه،  وذكر ابن قدامة -أيضاً- رحمه الله: ولا يطيل المقام أكثر من قدر الحاجة، لأن ذلك يضره، وقيل: يورث الباسور، وقيل: يدمي الكبد، وعلى أية حال إذا كان التطويل له أضرار طبية مرجعه إلى الأطباء، لكن هناك علة واضحة: قضية الوسوسة، وقضية إيذاء المنتظرين، وقضية منع ما تسول به نفسه من فعل أي معصية، فالتطويل في المراحيض ليس بمحمود، وكثير من الناس يصابون بالوسوسة من جراء هذا التطويل، فإنه يجلس ويغسل ويغسل ويعيد ويتنحنح ويقفز ويفعل أشياء وحركات عجيبة ويحتشي وليس هذا في الشرع على الإطلاق.
  18. اجتناب ذكر الله
    من آداب قضاء الحاجة اجتناب ذكر الله في هذا الموضع، ومما يدل عليه حديث الامتناع عن رد السلام المتقدم، لأن السلام اسم من أسماء الله، ولو أن النبي ﷺ رد السلام على الرجل الذي سلم عليه فإنه يكون قد ذكر اسم الله في الخلاء، وهذا يمنع، لأن ذكر الله ينزه أن يكون في مواضع النجاسات وأثناء هذه الحال، فلا يذكر الله تعالى إلا بقلبه، وأما أن يذكر بلسانه فلا، وكذلك إذا عطس حمد الله في قلبه، وإذا سلم عليه أحد فلا يرد عليه السلام.أما مسألة الكلام في الخلاء: فقد ذهب جمهور العلماء إلى ترك الكلام في الخلاء وعدوه من الآداب. وأورد بعضهم حديث أبي سعيد قال: سمعت النبي ﷺ يقول: (لا يخرج الرجلان يضربان الغائط كاشفين عن عورتيهما يتحدثان، فإن الله يمقت على ذلك). الحديث هذا رواه أبو داود، لكنه ضعيف، لكن من جهة المعنى: فإن أمور قضاء الحاجة مبنية على الستر، والكلام ينافي الستر، وكذلك أمور قضاء الحاجة أن الإنسان يقضي حاجته ثم يخرج وليس هذا مكان أحاديث،  ولو كان كلامه سينقذ أعمى من الوقوع في بئر ونحو ذلك للحاجة فلا بأس أن يتكلم في الخلاء للحاجة، أو أراد مثلاً أن يناوله شيئاً من منشفة أو غيرها وهو لا يتمكن من الخروج، أو نفذ الماء أو أي شيء من الأشياء التي لها حاجة، فإذا صار الكلام لحاجة فلا بأس أن يتكلم.
  19. وضع ما معه من ذكر الله قبل دخوله الخلاء
    فإذا أراد دخول الخلاء ومعه شيء فيه ذكر لله تعالى استحب له أن يضعه، وأما بالنسبة لحديث أنس : (كان رسول الله ﷺ إذا دخل الخلاء وضع خاتمه). الذي رواه ابن ماجة وأبو داود ، فقد قال أبو داود : هذا حديث منكر، وقيل: إنما كان النبي ﷺ يضعه، لأن فيه محمداً رسول الله ثلاثة أسطر يعني: محمد في سطر، ورسول في سطر، ولفظ الجلالة (الله) في سطر، وإذا أدار فص الخاتم إلى باطن كفه فلا بأس، قال أحمد رحمه الله: الخاتم إذا كان فيه اسم الله يجعله في باطن كفه ويدخل الخلاء. ويكره عند قضاء الحاجة حمل المكتوب للقرآن وألا يدخلوا بها إلى الخلاء.
  20.  تقديم اليسرى عند الدخول واليمنى عند الخروج
    من آداب قضاء الحاجة : تقديم اليسرى عند الدخول واليمنى عند الخروج، ويرفق ذلك بالأذكار كما تقدم، قال أحمد رحمه الله: يقول إذا دخل الخلاء: أعوذ بالله من الخبث والخبائث، وما دخلت قط المتوضأ ولم أقلها إلا أصابني ما أكره.
  21. عدم جواز قضاء الحاجة في المقابر
    من آداب قضاء الحاجة عدم جواز قضاء الحاجة في المقابر لما روى عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وما أبالي أوسط القبور قضيت حاجتي، أو وسط السوق). رواه ابن ماجة ، وصححه الألباني في: إرواء الغليل ، والمقصود بقوله: ( أوسط القبور قضيت حاجتي، أو وسط السوق ). أنهما في القبح سيان، سواء قضى الحاجة وسط السوق والناس ينظرون، وهي قبيحة جداً أو قضى الحاجة في المقبرة حتى لو لم يره أحد فهما في القبح سيان، وهذا من حرمة الأموات، وبعض الناس إذا مشى ولم يجد مكاناً يقضي فيه حاجته تسور المقبرة وقضى فيها حاجته. فهذه فعلة شنيعة. وقد نبه ابن الحاج رحمه الله في كتاب المدخل على طائفة من الذين يسكنون القبور في مصر ويقضون الحاجات فيها، وأن ذلك إيذاء للأموات فلا يجوز، وقال أيضاً: إن بعض أهل الأموات يبيتون عند الميت بجانب قبره أياماً، يبيتون ليلة وليلتين وثلاثاً قال: وإذا حضرت أحدهم قضى حاجته في المكان، فإن من البدع البيات عند القبور، يزعمون أن ذلك إيناس للميت، وهم ما يفعلون إلا الإيذاء والبدعة، الرسول ﷺ كان إذا دفن الميت انصرف هو وأصحابه ولم يبت عند قبر حمزة ولا عند غيره، ولا يؤنس الإنسان في قبره إلا عمله الصالح.
  22.  أن يقدم قضاء الحاجة على الصلاة
    ومن آداب قضاء الحاجة  أنه يقدم قضاء الحاجة على الصلاة إذا حضرته حاجته، لأن النبي ﷺ قال: (لا صلاة بحضرة الطعام ولا وهو يدافعه الأخبثان). لأنها تشغل قلبه، ويعجل عن إكمال صلاته، وقد يفقد الطمأنينة فيجمع بين أمرين: العجلة وعدم الإكمال، والشغل عن الإقبال على ربه وعلى صلاته، ولذلك فإنه عليه الصلاة والسلام أمر المسلم إذا أقيمت الصلاة وحضرته حاجته أن يبدأ بقضاء الحاجة ولو فاتت صلاة الجماعة. وينبغي أيضاً: الإشارة إلى أن الحاجة أنواع ومراتب فهناك شيءٌ خفيف لا يشغل عن الصلاة ولا يعجله عنها فإذا حصل ذلك وصلى جازت صلاته، وإن وجد من ذلك ما يشغله ويعجله حتى ولو كان داخل الصلاة فإنه ينصرف سواءً كان إماماً أو مأموماً لكي يتفرغ ولا يصلي بدون خشوع.  فإن لم ينصرف وتمادى في صلاته وبه من الحقن -محتقن ومحصور- ما يعجله ويشغله فقد قال مالك رحمه الله: أحب إليَّ أن يعيد في الوقت وبعده. وقال أبو حنيفة والشافعي : إن فعل فبئس ما صنع ولا إعادة عليه.
  23. جواز خروج المعتكف لقضاء الحاجة
    يجوز للمعتكف أن يخرج من المسجد لأجل الحاجة، لأن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله ﷺ إذا اعتكف يخرج إليَّ رأسه فأرجله، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان).
  24.  عدم التضييق على الناس في أماكن نزولهم
    جاء في ذلك قصة عن سهل بن معاذ قال: غزوت مع عبد الله بن عبد الملك بن مروان في ولاية عبد الملك الصائفة، والصائفة: كانت اسماً للجيش الذي يخرج في الصيف ،  فكان بعض الخلفاء ينظم الصوائف والشواتي، يعني: فرق الجيش التي تخرج في الصيف والشتاء. قال: فنزلنا على حصن سنان فضيق الناس المنازل وقطعوا الطريق. فأكمل القصة في نهيهم عن ذلك، فكل من نزل بموضع فهو أحق به، كما جاء في حديث: (منى مناخ من سبق). ولما نقول: أحق به، يعني: أحق به وبما حوله بحيث يبقى له مربط فرسه، ومكان طبخه، وموضع قضاء حاجته.  ومعنى: تضييق المنزل الوارد في الحديث: أن ينزل بالقرب من نزول أخيه المسلم فيضيق عليه في المرافق أو الأشياء التي يحتاج إليها في ذلك المكان، ويكون هذا المكان كالحريم،  والحريم هو: المكان الذي له حرمة حول الشخص إذا نزل، ومعنى: قطعوا الطريق: النزول على الممر على وجه يتأذى به المارة، فبعض الناس -حتى في الحج- ينزل على الطريق فيسده حتى يتأذى المارة، فهناك نزول على الطريق لا يؤذي المارة، وهناك نزول على الطريق يؤذي المارة فإذا كان الطريق واسعاً فقد يكون النزول على جانبه لا يؤذي المارة، لكن إذا كان الطريق ضيقاً فإنه لو نزل على الطريق فإنه يؤذي المارة فلا يجوز ذلك.
  25. ترك الاستئذان لقضاء الحاجة في البيوت الخربة
    عدم وجوب الاستئذان لقضاء الحاجة في البيوت الخربة، وقد تقدم معنا في آداب الاستئذان: أن البيوت منها ما تكون مسكونة -لها ساكن- ومنها ما لا يكون لها ساكن، ومنها الخرابات التي تقضى فيها الحاجات كالبول والغائط، فهذا ليس على الإنسان جناح أن يدخلها دون استئذان، قد يريد الإنسان خارج البلد قضاء حاجة فيأتي إلى مكان مهدم يريد أن يستتر به لقضاء الحاجة، فلا يلزم هناك استئذان حيث أنه لا أحد حتى يستأذنه، وليس هذا مكاناً يجب الاستئذان عند دخوله. وقوله: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ [النور:29] معنى: متاع لكم ليس المقصود بالضرورة أن يكون لك عفش فيها، قال: منفعة لكم بدفع الحر أو البرد أو قضاء الحاجة من بول أو غائط .. كما أورد ذلك صاحب بدائع الصنائع الكاساني الحنفي رحمه الله.
  26.  ترك الوسوسة
    إيجاب أشياء لم تجب في الشرع كالاستنجاء من خروج الريح، فإن بعض العامة يعتقد أنه لا بد من الاستنجاء عند خروج الريح، وليس على من نام أو خرجت منه ريح الاستنجاء، وليس في هذا خلاف. قال ابن قدامة رحمه الله في المغني : قال أبو عبد الله : ليس في الريح استنجاء في كتاب الله ولا في سنة رسول الله، إنما عليه الوضوء.
  27. بلُّ اليد قبل غسل النجاسة
    ومن آداب قضاء الحاجة بلُّ اليد قبل غسل النجاسة، وهذه ذكروها في الآداب بالتجربة،لأنها إذا باشرت النجاسة وهي يابسة تعلقت بها النجاسة وصارت الرائحة في اليد قوية، فإذا غسل يده أولاً ثم غسل النجاسة وقعت النجاسة على شيءٍ مبتل فلا تنتقل إليها الرائحة كانتقالها إلى اليد اليابسة.
  28. غسل اليدين بعد الاستنجاء بتراب ونحوه
    وكذلك من الآداب: غسل اليد بعد الاستنجاء بتراب أو رمل أو نحوه مما يقلع الرائحة كالصابون، وإذا كان في البر واستنجى من خروج الغائط مثلاً غسل يده بعد الماء بترابٍ ونحوه.
  29. تفريج الفخذين عند البول
    من آداب قضاء الحاجة التفريج بين الفخذين عند البول، حتى لا يصيب البول عند خروجه الرِجْل.
  30. الاسترخاء حتى يخرج ما بقي من النجاسة
    وكذلك من آداب قضاء الحاجة: الاسترخاء قليلاً، والاسترخاء ضد الانكماش والانقباض، قالوا: لأنه أقرب إلى إزالة النجاسة، لأن في المحل -يعني: مكان الخروج والمثانة- انقباضات فربما تبقى بقية بعد التبول، فإذا أنهى البول استرخى قليلاً حتى لو بقي شيءٌ فأنه يخرج.
  31. ستر الرأس وتغطيته
    ذكروا من آداب قضاء الحاجة: ستر الرأس وتغطيته، وأوردوا في ذلك حديثاً عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال: [استحيوا من الله إذا خلوتم، إني لأذهب إلى حاجتي في الخلاء متقنعاً بردائي حياءً من ربي].
  32. عدم البول في الشقوق والجحور
     بالنسبة للبول في الشقوق والجحور فإنهم ذكروا له علتين: إحداهما: حتى لا تخرج عليه الهوام فتؤذيه، فقد يكون فيه عقرب أو حية وما شابه ذلك من هوام الأرض التي تدخل في الجحور، فإذا بال في الجحر ربما خرج عليه ما يؤذيه. والعلة الثانية: أن الجحور قد تكون من بيوت الجن، وذكروا في ذلك قصة: أن سعد بن عبادة رضي الله عنه لما ذهب إلى الشام في آخر عمره، ذهب ليقضي حاجته فبال في جحر فوجد مخضراً ملقىً ميتاً، وسمع قائلاً يقول: نحن قتلنا سيد الـ أوسعد بن عباده ورميناه بسهمين فلم نخطي فؤاده ، ولكن ليس في هذا جزم أن الجحور بيوت الجن، فقد يكون فيها وقد لا يكون فيها، وهذه القصة الله أعلم بثبوتها، ولذلك الإنسان على أية حال لا يتعمد البول في الجحر، لأن هناك احتمالاً أن يكون فيه إيذاء لمن فيها بغض النظر عمن فيها.
  33. كراهية البول في الأواني النفيسة
    يكره البول في الأواني النفيسة للسرف، أما أواني الذهب والفضة فإنه يمنع اتخاذها واستعمالها أصلاً، فكان يوجد بعض الأغنياء أو الملوك وغيرهم الذين يستعملون أواني الذهب والفضة في قضاء الحاجة.
  34. يكره البول في مخازن الغلة
    المخازن التي يخزن فيها القمح والطعام وغير ذلك، قالوا: ولو كانت فارغة، لأنه لو أتي بطعام بعده ليوضع في المخزن فربما انتقل إليه شيء من النجاسة الموجودة في الأرض.
  35. عدم إدخال الإصبع في الدبر
    الحذر من إدخال الإصبع في الدبر، قال: فإنه من فعل شرار الناس، وهذه مسألة أيضاً من الأدب، ذكرها في قضية درجة البطء في خروج الخارج، قال: فرب شخص يحصل له التنظيف عند انقطاع البول عنه، فبمجرد أن ينقطع ولا يخرج شيء يغسل، وآخر لا يحصل له ذلك إلا بعد أن يقوم ويقعد، يعني: ربما يحتاج شخص آخر إلى الاسترخاء ليخرج، وآخر يحتاج أن يقوم ثم يقعد، إذا قام حضره بول إضافي غير الذي خرج منه فيقعد ليخرج ما بقي، قال: وذلك راجع إلى اختلاف أحوال الناس في أمزجتهم ومآكلهم واختلاف الأزمنة عليهم، فليس الشيخ كالشاب، لأنه معروف أن كبير السن يسترخي معه المكان فتكثر عنده الحاجة لدخول دورة المياه عدة مرات، أما الشاب فيكون الموضع عندهم مستمسك، وليس من أكل البطيخ كمن أكل الجبن؛ لأن البطيخ يسبب شيئاً من الإسهال، والجبن يسبب شيئاً من الانقباض أو القبض، وليس الحر كالبرد. المهم أنه ذكر اختلاف المآكل والأجواء، واختلاف أسنان الناس، فهذه كلها أسباب في قضية التأخر أو البطء في الخارج، وبالتالي على الإنسان أن ينتظر حتى يغسل كل شيء فيصلي وهو طاهر.

المصادر